دردشة على شرفة القيم من روايات العيش المشترك

عاجل

الفئة

shadow
*بقلم علي خيرالله شريف*

كانت عائلتي(شريف)، تعيش قبل انتقال قسم منها إلى اليمونة مع أصدقاء مسيحيين، في قرية ريفية جميلة اسمها "المغَيري" تقع في قضاء جبيل، بين بلدة قرطبا وبلدة العاقورة المسيحيتين. وكان سكان قرية المغيري مزيج من المسيحيين والمسلمين الشيعة، يعيشون بمحبةٍ ووئام رائعين. كانت العائلات المسيحية من آل الخوري والسخن وأبو صهيون ونصر، وكان الشيعة من آل شريف والحاج وحمدان وبدير والزين وحجازي وشمس.
يروي لي صهري داهج الحاج، أنه كان في بداية شبابه، مسؤول فرقة التراتيل المسيحية(كونه صاحب صوت جميل وطلعةٍ بهية) التي كانت تجول على منازل القرية لترتل الصلوات أثناء الأيام المريمية. وكان المسيحيون من أهل القرية يحتفون به ويحَدِّثون بعضهم فرحين فخورين، أن ابن الشيخ محمود الحاج يشاركنا الصلاة، وهو مسؤول فرقة التراتيل. وكان ذلك الفتي اليافع أول من ساعد في تركيب أول جرس كنيسة في القرية، وأبى وكيل الوقف المسيحي يومها إلا أن يكون هذا المسلم الشيعي داهج محمود الحاج أول من يقرع ذلك الجرس، إكراماً لجهوده واحتراماً لوالده وعائلته في القرية. وفعلاَ هذا ما حصل، وهذا ما أدخل الفرحة إلى قلبه وجعله يروي ذلك لأولاده وأصدقائه على الدوام، وهو يحبس دمعته حنيناً لأيام المحبة بين اللبنانيين.

يتابع أبو جهاد روايته أن  العائلات من الطائفتين كانت تذبح الخراف كل خريف لتصنع منها "القَوَرما" لمؤونة الشتاء (القورما هي اللحم المغلي مع الدهن والملح، الذي يُحفظ لكل أنواع الطبخ خلال شهور البرد القارس)، وكانوا يتبادلون العزائم بالمناسبة. وكان المسيحيون يطلبون من المسلمين أن يذبحوا لهم خرافهم على الطريقة الإسلامية ليتمكنوا من دعوتهم هم أيضاً لتناول الطعام على موائدهم.
يحدثني صهري بكل حسرة عن الزمن الجميل الذي هَشَّمَهُ صبيان السياسة الحمقاء، ودعاة التقسيم والفتنة، وهواة الاستعراض السخيف على الشاشات الفتنوية، وأصحاب العظات والخطابات المستأجرة للتحضير للحرب الأهلية.

نعم أكثرية الشعب اللبناني يحِنّون إلى زمن العيش المشترك الحقيقي بين كل أطياف المجتمع، ويرفضون الفتنة والتقسيم والاقتتال. ولكن يبقى على هذه الأكثرية أن ترفع البطاقة الحمراء لكل الموتورين والحاقدين، وتنزل إلى الميدان لتكرس وحدة الوطن وتآخي المواطنين.
أطال الله بعمر "أبو جهاد" وأعمار أمثاله من أصحاب المعدن الذهبي الذي لا يصدأ، وقَدَّرنا الله وإياهم أن نعيد بناء وطنٍ غنيٍّ بتنوعه وقويٍّ بوحدته الوطنية وبعيشه المشترك النقي من أبواق الفتنة ومن أغبياء السياسة ومن بيادق الجهات الخارجية.

الأحد ١٢ آذار ٢٠٢٣

الناشر

ام مهدي ام مهدي
ام مهدي ام مهدي

shadow

أخبار ذات صلة